الشيخ احمد الزروق

6/10/2009, 2:41 am

أحمد بن أحمد بن محمد البرنسي الفاسي الشهير بزروق، ولد بفاس في يوم الخميس 18 محرم عام 846 ﻫ (28 الماء [مايو] سنة 1442)، وتوفيت أمه بعد ولادته في يوم السبت ثم أبوه في يوم الثلاثاء قبل أن يكمل أسبوعه الأول، فكفلته جدته الفقيه أم البنين حتى بلغ العاشرة وخلال ذلك حفظ القرآن الكريم وتعلم صناعة الخرز

--------------------------------------------------------------------------------

وعندما بلغ السادسة عشر درس الرسالة على الشيخين علي السطي وعبد الله الفخار، ودرس القرآن على عدد من العلماء من بينهم القوري والزرهوني، ثم درس الرسالة القدسية للإمام الغزالي وعقائد الطوسي على الشيخ عبد الرحمن المجدولي وقرأ التنوير لابن عطاء الله السكندري على القوري كما سمع عليه البخاري وجامع الترمذي وتفقه عليه في أحكام عبد الحق الصغرى

وبعد دراسته على عدد كبير من علماء المغرب الأقصى قام برحلة وذهب إلى تونس حيث أخذ عن عدد من العلماء منهم الشيخ عبد الرحمن الثعالبي والشيخ إبراهيم التازي والمشذالي والرصاع والحافظ التنسي وحلولو اليزليتني ، ثم قام بالحج وزار مصر وأخذ عن عدد من علمائها منهم النور السنهوري والحافظ الدميري والحافظ السخاوي، وأخذ عن أبي العباس أحمد بن عقبة الحضرمي، كما أخذ عن علماء آخرين كثيرين

وبعد ترحال دام سنوات ألقى عصا التجوال في مسراتة، فتشرفت بإستقراره بها في ربيع أول عام 889 ﻫ (الطير [إبريل] سنة 1484) وأقام بتكيران وتزوج من أولاد الشيخ الجعافرة بالسيدة أمة الجليل بنت أحمد المكرم أبي العباس بن أبي زكريا يحي الغلباني المسراتي ورزق منها بأحمد أبي الفضل وأحمد أبي الفتح وعائشة).

ومن مصراتة قام بالحج للمرة الرابعة في عام 894 ﻫ (1489) وزار القاهرة وألقى دروس في الجامع الأزهر فاجتمع لسماعه ستة آلاف من طلاب العلم والمحبين من القاهرة ومما حولها ثم عاد إلى مصراتة وبقي بها إلى وفاته في صفر عام 899 ﻫ (الحرث [نوفمبر] سنة 1493) ودفن بتكيران التي سميت بعد ذلك بلقبه الزروق وكان دفنه بجابية ماء (حوض يجمع به الماء لري الزرع) كان الشيخ يحب أن يجلس بها خلال حياته، وقد توفي بعده أولاده من زوجته أمة الجليل صغار

وقد قام خادمه أحمد بعد وفاته بعشرين سنة ببناء قبة على قبره وبجانبها مسجد ، وكان قد طلب من شيخه زروق أن يسمح له ببناء زاوية فرفض، وأصبح المسجد ملتقى لطلاب العلم والزهاد ومركزا لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الشرعية حتى اليوم.

وترك الشيخ أحمد زروق إلى جانب السيرة العطرة والذكر الحسن، العديد من المؤلفات التي انتشرت في البلاد الإسلامية، وهي في فنون شتى، في العربية والحديث والحكمة والتصوف والفقه، وكان أشهرها كتبه في التصوف التي من أهمها كتابيه (قواعد التصوف) و(عدة المريد الصادق) والذي يعرف بإسم آخر هو (النهي عن الحوادث والبدع) وسبب تأليفه لهذا الكتاب هو الرد على المبتدعة من المتصوفة الذين شاهدهم ورأى افتتان الناس بهم حيث قام بحصر بدعهم وعرفها وبين فاسدها كما بين في كتابه التصوف الصحيح وبين قواعده وردها إلى الكتاب والسنة وسيرة الصوفيين الأوائل وبين أن الصوفي الحقيقي هو من يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويبتعد عن البدع واستشهد في ردوده بأقوال عدد من أهل التصوف أنفسهم، ومن بينهم الشيخ أبي القاسم النصر آبادي الذي قال: "أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع، وتعظيم المشائخ ورؤية أعذار الخلق والمداومة على الأوراد، وترك الرخص والتأويلات"

كما استشهد بما أنشده أبي القاسم الجنيد في حال هولاء المدعين فقال:

"أهل التصوف قد مضوا صار التصوف مخرقة
صار التصوف ركْوة وسجــادة ومـزلقـــة
صار التصوف صيحـة وتواجداً ومنطـقـــة
كذبتـك نفسك ليس ذي سنن الطريق المحـلقة"

وقد حذر الشيخ زروق في كتابه هذا من قراءة بعض كتب المتصوفة من أصحاب الأقوال التي تحتمل عدة تأويلات مثل ابن عربي وابن سبعين والفارض وغيرهم

وكان تحذيره لأن التصوف طريق لا يسلكه إلا خاصة من الناس ممن علت نفوسهم عن رذائل الدنيا ولا يكون إلا بفقه ومعرفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يعرف الإنسان حدود الشرع ولا يقع في الضلال والبدع، ولذلك فإن اشتغال عامة الناس ممن ليس لهم علم شرعي بكتب المتصوفة التي تحتمل أقوالهم التأويل سيقودهم إلى الضلال.

وما أحوجنا اليوم إلى الأخذ بنصيحة الشيخ زروق في هذا الوقت الذي يزعم فيه بعض المثقفين العرب أنهم من تلاميذ ابن عربي والحلاج، فرحم الله امرؤ عرف قدر نفسه فوقف عند حده وابتعد عن الشبهات وترك طريق الضلال.

وقد طبع هذا الكتاب وصدر محقق في طبعتين، كما طبع عدد من كتبه الأخرى وصدر محققا، ومن كتبه المطبوعة الكناش الذي روى فيه بعضا من سيرته الذاتية وأيضا شرحه لرسالة أبي زيد القيرواني الذي صدر في القاهرة في عام ﻫ1332 (1914) كما طبع أحد شروحه لحكم ابن عطاء الله الإسكندري وقد صدر سنة في سنة 1969 بتحقيق الشيخين الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السابق والدكتور محمود الشريف، وما تزال معظم كتبه مخطوطة حتى الآن (24).